عرب وعالم

احمد ابو الغيط في تونس : الذكاء الاصطناعي أداة استراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة في العالم

دعاء زكريا

قال  أحمـد أبـو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية في كلمته الافتتاحية بقمة الذكاء الاصطناعي نحو المستقبل تحت شعار “من مجتمع المعلومات إلى مجتمع الذكاء” بتونس اليوم

يسعدني أن أكون بينكم اليوم للمشاركة في هذا اللقاء الدولي المتميز الذي يجمع نخبة من الخبراء وصناع القرار والباحثين لمناقشة مستقبل الذكاء الاصطناعي وكيفية توظيفه كأداة استراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة في العالم وفي القلب منه المنطقة العربية.. في توقيت يشهد فيه العالم تحولاً جوهرياً تقوده التقنيات الذكية التي أصبحت عنصراً حاسماً في القدرة على تحقيق التنمية المستدامة.

واسمحوا لي أن اغتنم هذه المناسبة لأتوجه بالشكر والتقدير إلى الجمهورية التونسية على حسن الاستضافة والتنظيم لأعمال هذا الحدث، بالتعاون مع المنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات التي لا تدخر جهداً لدعم وتعزيز مسيرة التعاون العربي في المجال الرقمي.
والحق أن شعار القمة “من مجتمع المعلومات إلى مجتمع الذكاء”… يعبر بصدق عن طبيعة التغير الهائل الذي يبدو أن البشرية تقف على أعتاب تحقيقه… إنه تغيرٌ يشمل كل أوجه الحياة، من الاقتصاد إلى الشئون العسكرية.. ومن التكنولوجيا إلى الطب… ذلك أن التوصل إلى نوع من الذكاء الاصطناعي الشامل .. أو ما يُعرف بـ AGI.. يعني الوصول إلى قدرة فائقة على حل كل مشكلة تواجه البشر في هذه اللحظة… وإمكانية لا محدودة لمُضاعفة حجم الاقتصاد العالمي أضعافاً عبر تقليص التكاليف.
إننا لا نعلم على وجه اليقين المسافة الزمنية التي تفصل بيننا وبين تحقيق هذا الاختراق، الذي يرى البعض أنه ربما سيكون الاختراع البشري الأخير… لأنه من ساعتها فصاعداً، ستقوم أنظمة الذكاء الاصطناعي نفسه بعملية الاختراع والابتكار… إلا أننا نعلم أن المستقبل الذي يفتح لنا الذكاء الاصطناعي آفاقه.. محفوف بالمخاطر.. مثلما هو واعدٌ بالآمال الكِبار، والفرص اللامحدودة.
أما أعظم المخاطر فباعثه من وجهة نظري هو تلك المنافسة الشرسة التي صارت أشبه بسباق التسلح بين القوى الكبرى … والشركات الكبرى… هذا السعي المحموم لقطف ثمار الذكاء الاصطناعي قبل الآخرين… بما يدفع لاستثمارات فاقت التصور، وتجاوزت الحد المعقول، وصارت -كما يُشير الكثيرون- تُنذر بفقاعة قد تنفجر في أي وقت.. إن لم تجلب هذه الاستثمارات في وقت قصير العوائد المأمولة والنتائج المتوقعة.
وفي غمرة المنافسة … يظهر واضحاً خطر إنتاج ذكاء اصطناعي من دون أية قيود أو ضوابط: هذه القوة الكبيرة من سيتحكم فيها؟ ما القواعد التي تحكم عملها؟ كيف نضمن أن تكون لخير البشر.. كل البشر؟ كيف نطمئن إلى قرارات يتخذها عددٌ محدود من رؤساء شركات التكنولوجيا الكبرى تحت ضغط المنافسة المحمومة والصراع من أجل الوصول أولاً؟ وكيف نضمن أن تتساقط ثمار الذكاء الاصطناعي على الجميع، على نحو يدفع المجتمعات الإنسانية للأمام ولا يزيد من الهوة الشاسعة التي تفصل بين مالكي التكنولوجيا وكافة الشعوب الأخرى؟
ثم.. كيف نُعد مجتمعاتنا لهزاتٍ كبرى قادمة بسبب خسارة الوظائف لصالح أنظمة الذكاء الاصطناعي التي ستتهافت عليها الشركات، فتُسرِّح العمالة بمئات الآلاف، ونجد أنفسنا أمام واقع اجتماعي مضطرب وخطير؟
وما الضامن ألا تتحول أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى سلاح عسكري ليس له مثيل في صورة أسلحة ذاتية التشغيل.. تقوم بذاتها باتخاذ قرارات تتعلق بموت أو حياة الآلاف ومئات الآلاف من البشر؟
هذه بعض الأسئلة المشروعة.. وهي أسئلة تكشف عن أن التطور في الذكاء الاصطناعي يجري بوتيرة أسرع كثيراً من قدرة المجتمعات -في كل مكان تقريباً- على استيعابها.
أما الأفق الذي يَعِدُ به الذكاء الاصطناعي فهو بالفعل بلا حدود.. وهناك نماذج فعلية لما يُمكن أن تؤدي إليه هذه التكنولوجيا من خير وتقدم للبشرية، ومن إسهام في مجال التنمية المُستدامة.. وبخاصة في قطاعات التعليم والصحة وصناعة الدواء ومكافحة المرض.. فالتكنولوجيا -كل وأي تكنولوجيا- تظل أداةً محايدة… وتسخيرها، نفعاً أو ضرراً.. خيراً أو شراً… يتوقف على استخدام البشر لها.. وعلى قدرتنا جميعاً -كأسرة إنسانية- على وضع الضوابط المناسبة والقواعد التي تضمن ألا تتحول جنة الذكاء الاصطناعي الموعودة.. إلى جحيم حقيقي يُهدد مستقبلنا البشري المشترك.

برغم أن اللاعبين الكبار في مجال الذكاء الاصطناعي محدودون كما نعلم … إلا أن أمام دولنا العربية فُرصة كبيرة بإيجاد موطئ قدم لها في التكنولوجيا الأهم في عالم اليوم.. وقد رأينا بالفعل شراكات معتبرة وذات وزن بين عدد من الدول العربية -خاصة في الخليج- وبين اللاعبين الكبار .. وبحيث يكون لهذه الدول نصيب مهم في استثمارات الذكاء الاصطناعي والبنية الأساسية الكبيرة -لا سيما مراكز البيانات الضخمة- التي يجري تجهيزها حالياً بهدف تحقيق اختراقات كبرى في هذا المجال.
وأضاف ابو الغيط يظل مهماً كذلك أن تواكب دولنا العربية هذه الطفرات المتسارعة.. تواكبها بالمعرفة الدقيقة.. وبإعداد الكوادر المتميزة في مجال البرمجة والتكنولوجيا الرقمية.. وأيضاً ببرامج التدريب التحويلي الضخمة التي تُمكن من التعامل المرن مع تغيراتٍ – يبدو أنها حتمية وعميقة- سوف تلحق بسوق العمل خلال فترة قصيرة.
وليست الجامعة العربية ببعيدة عن التعامل مع هذا الملف الحيوي.. بل تولي الجامعة اهتماماً خاصاً بموضوعات الذكاء الاصطناعي.. ايماناً بقدرة المنطقة العربية على تحقيق نقلة نوعية والاستفادة من هذا التطور، بما لديها من امكانيات وطاقات كامنة لم تستغل على النحو المأمول حتى الآن.
وقد تبلور هذا الاهتمام في عدد من المحطات الهامة خلال هذا العام تحديداً… ابتداءً باعتماد مجلس الوزراء العرب للاتصالات والمعلومات الاستراتيجية العربية للذكاء الاصطناعي في مطلع هذا العام بهدف توحيد الجهود العربية وتعزيزها في هذا المجال… ولمساعدة الدول العربية في تجنب المخاطر المتحملة للذكاء الاصطناعي وتكوين موقف عربي مشترك إزاء القضايا المرتبطة به في المحافل الدولية.
ثما جاءت المبادرة العربية للذكاء الاصطناعي التي اقرتها القمة العربية التنموية الأخيرة في بغداد بهدف تعزيز التعاون الإقليمي وتبادل الخبرات وتوحيد المعايير… بالإضافة إلى اعتماد المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الاتصالات العرب للميثاق العربي لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي ليكون إطاراً استرشادياً يضمن الاستخدام المسئول والمنصف لهذه التكنولوجيا.. ووصولاً إلى الدور البارز والمساهمة الإيجابية للمجموعة العربية خلال المؤتمر العالمي لتنمية الاتصالات المنعقد الشهر الماضي بأذربيجان.
واغتنم هذه المناسبة لتهنئة السيدة دورين على نجاح هذا المؤتمر الهام الذي يرسم خطة عمل قطاع التنمية للاتحاد للسنوات الأربع القادمة.
وختاماً، فإنني أجدد الشكر والتقدير لكل من ساهم في الإعداد الجيد لهذه القمة وأتمنى أن تحقق غاياتها المنشودة وتفتح افاقاً جديدة لبناء شراكات عميقة ومتواصلة… إن المستقبل يتشكل الآن.. ولا يجب أن تكون الدول العربية بعيدة عن آفاقه، أو متباطئة عن اللحاق بركبه المتسارع.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى