ميس رايتشل وفلسطين حين يُعاقَب التعاطف وتُدان البراءة
تكسر الصمت وتواجه الكراهية ميس رايتشل تذكّر العالم بإنسانية منسية في غزة

خالد جادالله
في عالمٍ افتراضيٍ تملأه الأغاني والألوان وحروف الهجاء لم تكن “ميس رايتشل” تتوقّع أن تتحوّل صفحتها التعليمية إلى ساحة صراعٍ سياسي السيدة الأمريكية التي أصبحت وجهًا مألوفًا ومحبوبًا لدى ملايين الأطفال حول العالم من خلال محتواها التعليمي البسيط والدافئ وجدت نفسها فجأة في مرمى حملة تحريض قاسية فقط لأنها عبّرت عن تضامنها الإنساني مع أطفال غزة
فلسطين: جرح مفتوح في الوعي العالمي
فلسطين ليست مجرد مكان. إنها مرآة كاشفة للعدالة الزائفة في هذا العالم كل من يتضامن مع الفلسطينيين خصوصًا الأطفال سرعان ما يجد نفسه متهمًا محاصرًا، مهددًا ما واجهته ميس رايتشل من هجوم لم يكن بسبب كلماتها فقط، بل بسبب ما تمثله هذه الكلمات: رفض اختزال فلسطين في صراع سياسي والاعتراف بها كقضية إنسانية عميقة
لماذا يخافون من أطفال غزة
من المخيف أن يثير الحديث عن أطفال يُقتلون ويُحاصرون هذا الكم من الغضب لكن في الحالة الفلسطينية يصبح ذكر الضحية تشكيكًا ضمنيًا في رواية المعتدي لهذا يُطلب من الجميع أن يتجاهلوا أن يساووا بين القاتل والمقتول أن يتحدثوا عن الجانبين بينما يموت جانبٌ واحد فقط ولكن ميسى رايتشل لم تفعل أكثر من كسر هذه المعادلة الظالمة وقالت ببساطة الأم والإنسانة والمعلمةهؤلاء الأطفال لا يستحقون القتل
ما فعلته ميس رايتشل وما لم يفعله كثيرون
في وقت تواطأ فيه كثير من المشاهير مع الصمت أو التبرير خرج صوت ميس رايتشل خافتًا لكنه واضح لا شعارات لا أيديولوجيا فقط ألمٌ إنساني وهي بذلك أعادت تعريف مفهوم المقاومة الناعمة أن تكون مع الحق دون أن تصرخ وأن تواجه الكراهية بسلاح البراءة ولكن من يُحدّد من يستحق الحزن ويبقا السؤال الأخلاقي الذي تطرحه هذه الواقعة ليس جديدًا لكنه يتكرّر بحدة ولكن هل توجد حياة تستحق الحزن أكثر من أخرى لماذا يُعدّ الحديث عن أطفال غزة تحيّزًا بينما الحديث عن معاناة أي طفل آخر يُعتبر تربية على القيم إننا لا نعيش فقط زمن التحيّز بل زمن ترتيب المشاعر على أساس الجغرافيا والهوية
نهاية البراءة أم بدايتها
ربما ما حدث مع ميس رايتشل ليس مجرد هجوم بل لحظة كشف فحين يُطلب من رموز الطفولة أن يصمتوا فإن العالم يخبرنا ضمنيًا أن لا مكان للبراءة في هذا العصر لكن لعلّ موقف “ميس رايتشل هو محاولة لاستعادة المعنى الحقيقي للبراءة القدرة على رؤية العالم بعين الإنسان لا بعين السياسات
صراع الرواية في الفضاء الرقمي
تكشف هذه الحادثة عن أبعاد أعمق من مجرد تضامن مع غزة إنها مواجهة بين روايتين واحدة ترى في الطفولة قضية فوق السياسة وأخرى تُخضِع حتى أبسط أشكال التعاطف لمعايير الولاء في هذه المعركة لم تعد ميس رايتشل مجرد صانعة محتوى بل تحوّلت دون قصد إلى رمزٍ لصراع أوسع حول من يملك الحق في رواية الألم ومن يُسمح له بأن يكون إنسانًا على العلن
ما بعد العاصفة من الخوف إلى الصمود
ورغم العاصفة الرقمية لم تحذف ميس رايتشل منشورها ولم تعتذر عن إنسانيتها في عالم يخاف فيه الكثيرون من قول الحقيقة البسيطة اختارت الصمت الواعي الصمت الذي يقول أكثر مما يُقال وربما هنا يكمن دروسٌ جديدة ليس فقط للأطفال بل للكبار أن تعليم القيم يبدأ من المواقف لا من الأغاني