عرب وعالم

الدروز فى مفترق طرق .. بين الهوية الإسلامية والحماية الإسرائيلية

يتتبع حضور الدروز الخفي في تاريخ مضطرب وسياسات معقدة

كتب : خالد جادالله

 

أثارت الأحداث الدامية  التى ارتبطت بالدروز فى سوريا مؤخرا ودفاع الاحتلال الإسرائيلي عنهم بل والتهديد بالتدخل العسكرى لتأمينهم ، تساؤلات عديدة ، من هم الدروز وما هى مطالبهم السياسية والاجتماعية وما علاقاتهم بدولة الاحتلال الإسرائيلي وما موقف الدروز من الاحتلال الإسرائيلي للأراضى الفلسطينية والعربية والجولان السورية وماذا عن انتمائهم العربى والإسلامى ، وغيرها من الأسئلة التى تناولها  التقرير التالى :

من هم الدروز

 

الدروز هم طائفة دينية توحيدية نشأت في بدايات القرن الحادي عشر في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله  وتستمد تعاليمها من الإسلام الشيعي الإسماعيلي، لكنها تطورت إلى مذهب ديني مستقل له خصوصياته العقائدية والفكرية

 

الدروز و الخصوصية الدينية

 

الدروز يتبعون مذهبًا توحيديًا باطنيًا يُعرف  باالموحدين ويحتفظون بتعاليمهم سرية لا تُكشف إلا العُقّال رجال الدين والمطّلعين على أسرار العقيدة ولا توجد طقوس علنية كالمساجد أو الكنائس بل يجتمعون في الخلوات وهي أماكن العبادة الخاصة ويوجد احترام كبير لرجال الدين المشايخ  وهم يؤثرون في المجتمع كمرجعيات روحية وأخلاقية واجتماعية

دور الدين في الحياة اليومية

 

الدين ما زال يلعب دورًا محوريًا في حياة كثير من الدروز في السويداء خاصة في الريف حيث يحتكم الناس أحيانًا إلى القضاء الديني في الخلافات الشخصية أو العائلية

الترابط العائلي والعشائري

 

المجتمع الدرزي في السويداء تقليدي وعشائري والعائلة والعشيرة تلعبان دورًا مهمًا في تشكيل الهوية والانتماء ولا تزال الأعراف والتقاليد  مثل الزواج الداخلي بين الطائفة فقط وحل النزاعات عن طريق الوجهاء حاضرة بقوة

التعليم والمرأة

 

نسبة التعليم مرتفعة خصوصًا بين النساء وهناك حضور نسائي متزايد في المجالات المهنية والاحتجاجات المدنية وعلى الرغم من  الطابع المحافظ تحققت بعض المكاسب للمرأة في العقود الأخيرة خاصة في المدن

التحديات الاجتماعية

 

الهجرة الواسعة أثرت على التكوين الاجتماعي وسببت نقصًا في فئة الشباب والفقر والبطالة  والانفلات الأمني أدت إلى تزايد ظواهر مثل الجريمة وتجارة المخدرات والانتحار ما أثار قلقًا داخل الطائفة وهناك توتر متزايد بين الأجيال جيل الشباب يميل نحو التحرر والاحتجاج بينما الجيل الأكبر غالبًا ما يميل للحفاظ على الاستقرار والتقاليد

 

مطالب الدروز في سوريا

 

تختلف بحسب الظروف السياسية والمناطق التي يتواجدون فيها والحفاظ على الهوية والطائفة يحرص الدروز في سوريا على حماية خصوصيتهم الدينية والثقافية ويطالبون بالاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤونهم الدينية واللامركزية والحكم المحلي كثير من القيادات الدرزية في السويداءخصوصاً بعد عام 2011طالبوا بنوع من اللامركزية الإدارية أو توسيع صلاحيات المجالس المحلية لإدارة شؤونهم بأنفسهم واستقلال القرار الدرزي عدد من الفاعلين السياسيين والاجتماعيين

الدروز يدعون إلى أن يكون لهم قرار مستقل بعيداً عن الضغوطات من النظام أو المعارضة أو القوى الخارجية و الدروز في سوريا يُشكّلون أقلية دينية ذات تأثير يتجاوز حجمهم العددي وقد لعبوا أدوارًا محورية في التاريخ السياسي والاجتماعي السوري خاصة في الجبل المعروف باسم جبل العرب أو جبل الدروز في محافظة السويداء ومن أهم أوجه تأثيرهم هو دورهم في النضال الوطني وقد برزوا خلال الثورة السورية الكبرى عام 1925 بقيادة سلطان باشا الأطرش ضد الاستعمار الفرنسي مما أعطاهم مكانة وطنية ورمزية كبيرة

البُعد الإقليمي والدولي

 

الطائفة لها امتدادات في لبنان وإسرائيل  مما يجعل وضعها محطّ اهتمام إقليمي  خصوصًا من قبل جهات كإسرائيل التي تسعى أحيانًا للتأثير عبر الروابط الطائفية

الهوية العربية

 

الدروز يعتبرون أنفسهم عربًا في انتمائهم القومي والثقافي ويتحدثون العربيةويشاركون في القضايا القومية، كما شاركوا في حركات التحرر من الاستعمار في سوريا ولبنان وفلسطين

العلاقة مع الإسلام

 

ينتمي الدروز تاريخيًا إلى فرع من الإسلام الإسماعيلي، لكنهم تبنّوا عقيدة خاصة مغلقة التوحيد ولا يمارسون الشعائر الإسلامية المعروفة علنًا مثل الصلاة والصوم ورغم  ذلك يحرص الدروز على احترام الرموز الإسلامية والتعايش السلمي مع المسلمين ويُعدّون أنفسهم جزءًا من الفضاء الحضاري الإسلامي، وإن اختلفوا عقائديًا بالإضافة إلى العقيدة الدرزية التى  تُعد باطنية وسرية ولا يُسمح لغير الموحدين و الملتزمين بالاطلاع الكامل عليها مما جعلهم أحيانًا موضع سوء فهم أو تهميش

علاقتهم السياسية بالعالم العربي

 

في السياسة، يُعرف عن الزعامات الدرزية خصوصًا في لبنان وسوريا دعمهم لقضايا عربية كالقضية الفلسطينية ومواقفهم غالبًا معتدلة تميل إلى الحياد أو التوازن كما أن الدروز نادرًا ما دخلوا في صراعات مذهبية، وحرصوا على تعزيز التعايش مع الطوائف الإسلامية الأخرى خصوصًا السنة والشيعة

الدروز داخل إسرائيل من فلسطينيي 1948

 

يعيش في إسرائيل اليوم أكثر من 140,000 درزي معظمهم في الجليل والكرمل منذ عام 1956وقد  فُرضت عليهم الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي بعكس بقية العرب في إسرائيل وقد أدى ذلك إلى علاقة خاصة بينهم وبين الدولة الإسرائيلية و في المقابل هناك أصوات درزية معارضة داخل إسرائيل ترفض الخدمة العسكرية وتؤكد على هويتهم العربية وتدين السياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين

دروز الجولان السوري المحتل

 

بعد احتلال الجولان عام 1967  رفض معظم الدروز هناك الجنسية الإسرائيلية واحتفظوا بجنسيتهم السورية رغم الضغوط يُعرف سكان مجدل شمس وبقية قرى الجولان برفع العلم السوري ورفض التطبيع مع إسرائيل كما شاركوا في مظاهرات واحتجاجات ضد الاستيطان والسياسات الإسرائيلية وما زالوا على ارتباط ثقافي وعائلي مع دروز سوريا

العلاقة مع الدروز في سوريا ولبنان

 

إسرائيل تحاول أحيانًا استغلال الروابط الطائفية لتقوية علاقتها مع دروز الجولان أو تقديم نفسها كـ”حامية للأقليات”، لكن هذه المحاولات تقابل غالبًا بالرفض من دروز سوريا ولبنان، الذين يعتبرون إسرائيل دولة محتلة وهناك قيادات درزية بارزة مثل وليد جنبلاط في لبنان وسلطان الأطرش في التاريخ السوري كانوا دائمًا مناوئين لإسرائيل

 

محاولات إسرائيلية لكسب ولاء دروز المنطقة

 

في بعض الفترات  حاولت إسرائيل التواصل مع دروز لبنان وسوريا خاصة أثناء الحرب الأهلية اللبنانية عبر دعم بعض الفصائل أو عبر علاقات غير مباشرة ولكن غالبية الزعامات الدرزية رفضت الدخول في هذا المحور، واعتبروا القضية الفلسطينية والعداءلإسرائيل مسألة مبدئية بالإضافة إلى الجانب الثقافي والديني وعلى الرغم من العلاقة المؤسسية بين بعض دروز إسرائيل والدولة  إلا أن البُعد الديني والاجتماعي للطائفة بقي محافظًا إلى حد كبير  بعيدًا عن الاندماج الكامل وهذا ما حافظ على تمايز الهوية الدرزية في مواجهة الذوبان

استخدام إسرائيل للدروز لأغراض دعائية

 

إسرائيل تسوّق مشاركة الدروز في جيشها كدليل على عددية الدولة و قبول الأقليات خصوصًا في الإعلام الغربي و تستخدم ذلك أحيانًا لتقويض الرواية الفلسطينية، عبر الإيحاء بأن إسرائيل تحمي الأقليات رغم سياساتها ضد العرب عمومًا

دروز المهجر وموقفهم من إسرائيل

 

كثير من الدروز في المهجر أمريكا وأوروبا و أميركا الجنوبية كما أنهم يتخذون مواقف مؤيدة للقضية الفلسطينية ومعارضة للاحتلال و الجاليات الدرزية في الشتات تلعب دورًا في تشكيل وعي سياسي قومي بعيدًا عن تأثير الضغوط الإسرائيلية

موقف المرجعيات الدينية الدرزية

 

المرجعيات الدينية الكبرى للدروز سواء في لبنان أو سوريا أو فلسطين لا تعترف بشرعية الاحتلال وتدعو دائمًا إلى حفظ وحدة العرب وعدم الانجرار وراء التفتيت الطائفي و تجميل صورتها أمام العالم كما أن إسرائيل تواجه اتهامات دولية بأنها تمارس التمييز العنصري ضد الفلسطينيين وذلك تروّج بأن الدروز يخدمون في الجيش ويحصلون على حقوقهم لتظهر كأنها دولة تحمي الأقليات

استغلالهم ضد العرب والفلسطينيين

 

إسرائيل تحاول تصوير الدروز أقلية مختلفة عن العرب لتقسيم المجتمع الفلسطيني في الداخل وتستخدمهم أحيانًا كوسيلة لخلق صراع داخلي بين العرب سُنّة ومسيحيين ودروز لإضعاف وحدة الهوية الوطنية

منع تحالفهم مع أعداء إسرائيل

 

بعض الدروز في الجولان ولبنان وسوريا على صلة بمحور المقاومة ضد إسرائيل ولذلك فإن إسرائيل تحاول كسب ودّ دروز الداخل والجولان عبر الحماية أو الامتيازات حتى لا يتعاطفوا مع أعدائها

الدروز كورقة تفاوضية أو استخباراتية

 

أحيانًا تدّعي إسرائيل حماية الدروز في سوريا أو لبنان” كغطاء لتدخلها العسكري أو الاستخباري خاصة في الجولان وهو مايخدمها لتشجيع تطبيع باقي العرب معها أو لتبرير سياساتها العنصرية ضد من يرفضونها

تجنّب تمرد داخلي

 

في السنوات الأخيرة ازدادت احتجاجات الدروز داخل إسرائيل، خصوصًا بعد قانون “القومية اليهودية ولكن إسرائيل تخشى أن يتحول هذا الغضب إلى تمرّد واسع فتسارع إلى تهدئة الدروز والدفاع عنهم شكليًا لتجنّب زعزعة الاستقرار الداخلي الواجهة الأمنية في الشمال الدروز يتركزون في الجليل والكرمل وهي مناطق حساسة قريبة من الحدود اللبنانية والسورية إسرائيل تعتمد عليهم كمجتمع مراقِب وحاجز بشري أمام أي تحرك معادٍ من الشمال

الحفاظ على الانقسام بين دروز الجولان ودروز الداخل دروز الجولان يرفضون الاحتلال ويرفعون العلم السوري بالمقابل دروز الداخل يخدمون في الجيش إسرائيل تحاول تعميق هذا الانقسام بين الجانبين كي لا تتوحد مواقفهم ضدها و احتواء الغضب الدرزي عند الأزمات الإقليمي مثلًا  عند تعرض دروز في سوريا لهجمات كما حدث في إدلب أو السويداء أحيانًا تلوّح إسرائيل بأنها مستعدة للتدخل لحمايتهم وهذا ليس من باب إنساني بل بهدف كسب تعاطف الدروز في الجولان

زر الذهاب إلى الأعلى