الرئيسيةمقالات الرأي

الدكتور عادل عامر يكتب : الإرادة الشعبية والانتخابات البرلمانية

 

إن النجاح في تنظيم جولة إعادة شفافة ونزيهة، يتنافس فيها المرشحون على قدم المساواة، يُعد تأكيدًا واضحًا على أن الدولة الحديثة تستمد شرعيتها من شعبها، وأن القيادة الرشيدة هي التي تضع إرادة المواطنين فوق أي اعتبارات أخرى، بما يضمن أن يظل مجلس النواب معبرًا حقيقيًا عن آمال الأمة وتطلعاتها.

 

وتُطالب الأحزاب السياسية اليوم بالتفاعل الجاد مع ما ورد في كلمة الرئيس، من خلال تكثيف التواصل مع المواطنين، وطرح برامج واقعية قابلة للتنفيذ، وتقديم كوادر قادرة على تحمل المسؤولية تحت قبة البرلمان. وفي هذا السياق، تمضي الدولة قدمًا في تطوير آليات إدارة الانتخابات، وتوسيع استخدام التكنولوجيا، وتعزيز معايير الشفافية، بما يسهم في رفع ثقة المواطنين في العملية الانتخابية ويعزز مكانة مصر إقليميًا ودوليًا.

 

وتؤكد الدولة أنها لن تسمح بوجود أي شبهة تمس مصداقية الانتخابات، مع التشديد على استقلالية الجهة المشرفة على العملية الانتخابية من بدايتها وحتى إعلان النتائج، وفق أعلى المعايير القانونية والمهنية. وتبعث هذه الرسالة الطمأنينة في نفوس المواطنين، وتُسهم في خلق بيئة انتخابية منضبطة يشعر فيها الناخب بقيمة صوته وأثر مشاركته في رسم الخريطة السياسية للبلاد.

 

ولا وجود لممارسة ديمقراطية حقيقية دون انتخابات نزيهة، وهي قاعدة مستقرة في أدبيات التحول الديمقراطي. فالانتخابات تُمكِّن المواطنين من ممارسة حقهم في اختيار من يحكم باسمهم، ومن يمثلهم داخل المؤسسات التشريعية. وبذلك تُعد الانتخابات مؤشرًا جوهريًا لقياس مستوى الديمقراطية، باعتبارها مصدر الشرعية السياسية وضمانة المشاركة الشعبية في صنع القرار وصياغة السياسات العامة.

 

ومن هذا المنطلق، تصبح أنظمة الانتخابات مؤشرًا فعليًا لتقييم جودة الأداء الديمقراطي، لا سيما في الديمقراطيات الناشئة، حيث تعكس هذه الأنظمة مدى جدية الدولة في الإصلاح السياسي، وكفاءة واستمرارية مسار التحول الديمقراطي.

 

وتتجاوز أهمية النظام الانتخابي كونه مجرد أداة إجرائية لتنظيم الانتخابات، لتشمل دوره السياسي في تشكيل المؤسسات، وتحديد طبيعة الحكومات، وبنية النظام الحزبي، وآليات إدارة الحكم. فتصميم النظام الانتخابي لا يقتصر على ترجمة أصوات الناخبين إلى مقاعد برلمانية، بل يمتد ليشمل قضايا التمثيل الجغرافي، والتمثيل المجتمعي، وتمكين المرأة، وتشجيع العمل الحزبي أو إعاقته، ودور المعارضة.

 

ويعزز ذلك الفرضية التي تربط بين النظام الانتخابي والديمقراطية، وبين إصلاح النظام الانتخابي والإصلاح السياسي. وتُطرح هنا تساؤلات جوهرية حول ما إذا كان التغيير المستمر في النظم الانتخابية يُستخدم كأداة لتوجيه مسار الإصلاح السياسي، بدلًا من كونه وسيلة لتنظيم العملية الديمقراطية.

 

وترتبط نزاهة الانتخابات بعوامل متعددة، من بينها أي تدخل مادي أو معنوي قد يؤثر في مسار العملية الانتخابية. ويمكن القول إن الأساليب التقليدية لتزوير إرادة الناخبين، مثل التلاعب في تقسيم الدوائر أو سجلات الناخبين أو عمليات الاقتراع والفرز، لم يعد لها وجود في مصر اليوم، وهو ما يُحسب للدولة وللجهة المشرفة على الانتخابات.

 

وقد أسفر تقسيم الدوائر في انتخابات 2025، رغم ما واجهه من صعوبات تتعلق بعدم التوازن بين التوزيع السكاني والرقعة الجغرافية، عن صيغة أكثر عدالة ونزاهة، وهو ما يُحسب للحكومة وللتشريع الذي أقره البرلمان في هذا الشأن.

 

كما لعبت الرقابة التي مارستها منظمات المجتمع المدني المصرية والدولية دورًا مهمًا في متابعة العملية الانتخابية قبل وأثناء وبعد الاقتراع. ورغم الملاحظات التي سُجلت، فإن هذه الجهات لم تشكك في النزاهة العامة للعملية، وإن أبدت قلقها من كثرة الإجراءات والاشتراطات التي حدّت من مشاركة بعض المؤسسات في المتابعة.

 

وفي المقابل، أشار بعض المراقبين إلى ممارسات قانونية من حيث الشكل، لكنها أثارت جدلًا من حيث الأثر، خاصة ما يتعلق بالنظام الانتخابي القائم على القائمة المطلقة والفردي بنسبة 50% لكل منهما. ويُلاحظ أن نظام القائمة المطلقة، المطبق في عدد محدود من دول العالم، يؤدي إلى إقصاء المعارضة عمليًا، حيث تُضاف أصوات القوائم الخاسرة إلى القائمة الفائزة، ما يقلل من فرص التمثيل المتوازن.

 

كما أُثيرت ملاحظات حول إجراءات الترشح، خاصة ترتيب أسماء المرشحين في بطاقات الاقتراع، وما ترتب عليه من أولوية لبعض المرشحين، الأمر الذي اعتبره البعض مؤثرًا في النتائج.

 

وتُعد المشاركة الشعبية في التصويت أحد أهم مؤشرات شرعية الانتخابات، إذ تعكس مدى قبول المواطنين ورضاهم عن العملية الانتخابية. غير أن غياب البيانات التفصيلية المتعلقة بنسب المشاركة والأصوات الصحيحة والباطلة على مستوى الدوائر والمحافظات، حال دون إجراء تحليل دقيق وشامل لهذه المشاركة.

 

وقد تعرض الإطار القانوني المنظم للانتخابات البرلمانية لانتقادات من قوى سياسية عدة، لكونه يحافظ على فلسفة تشريعية تقليدية، ومع ذلك فضلت معظم هذه القوى خوض الانتخابات تفاديًا لسيناريوهات قد تؤدي إلى إطالة أمد هيمنة غير مدنية على السلطة.

 

ويظل مجلس النواب حجر الزاوية في النظام السياسي بصفته السلطة التشريعية والرقابية. وعندما يتوجه المواطن إلى صندوق الاقتراع، فإنه لا يختار أشخاصًا فحسب، بل يختار توجهات ورؤى وبرامج تحدد مستقبل البلاد. وتمثل جولات الإعادة اختبارًا حقيقيًا للديمقراطية، حيث تُحسم النتائج بأصوات متقاربة، بما يؤكد قيمة كل صوت انتخابي.

 

إن التزام المؤسسات الإدارية والرقابية بالحياد الكامل، إلى جانب دعم القيادة السياسية لمبدأ أن “صوت الناخب هو الفيصل”، يمثل الضمانة الأساسية لنزاهة الانتخابات وثقة المواطنين فيها. فإرادة الشعب هي بوصلة التنمية والتقدم، وكلما شعر المواطن بأن صوته مؤثر، تعززت مشاركته ومسؤوليته تجاه بناء الدولة، بينما يؤدي أي إحساس بالتوجيه أو التدخل إلى تقويض جوهر العملية الديمقراطية.

 

الدكتور عادل عامر

دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي

مدير مركز المصريين للدراسات – مصر

محكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري

عضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوروبي للدراسات السياسية والاستراتيجية – فرنسا

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى