الدكتور عادل عامر يكتب: التهجير القسري للفلسطينيين جريمة حرب وفقًا للقانون الدولي

بقلم : الدكتور عادل عامر
إن بيان وزارة الخارجية الصادر في 17 أغسطس 2025 جاء ليعكس بجلاء الموقف المصري الثابت والراسخ تجاه القضية الفلسطينية، وليؤكد رفض مصر القاطع لأي مخططات تستهدف تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه سواء من قطاع غزة أو الضفة الغربية.
هذا الموقف يعبر عن التزام مصر التاريخي بمبادئ القانون الدولي والعدالة الإنسانية، وحرصها على حماية الهوية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة. فالتهجير القسري لا يُمثل فقط جريمة حرب وفقًا لاتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، بل يُعد أيضًا جريمة ضد الإنسانية تمس الضمير العالمي برمته.
ويكتسب البيان أهمية خاصة كونه دعوة صريحة للمجتمع الدولي بعدم المشاركة في هذه الجريمة، وتحذيرًا من مغبة التورط المباشر أو غير المباشر في تنفيذ مخططات إسرائيلية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية.
إن مصر بهذا الموقف تجدد دورها المحوري في الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتؤكد أن السلام العادل لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
أولًا: الأساس القانوني
1. ميثاق الأمم المتحدة (1945)
نص على احترام سيادة الدول وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ويُعد أي مساس بهذا الحق مخالفة لأسس النظام الدولي.
2. اتفاقية جنيف الرابعة (1949)
المادة (49) نصت بوضوح على: “يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى.”
هذا النص يُجرم التهجير القسري باعتباره خرقًا جسيمًا.
3. نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998)
المادة (7) تعد التهجير القسري جريمة ضد الإنسانية.
المادة (8 تعده جريمة حرب إذا تم في سياق نزاع مسلح أو احتلال.
4. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (1966) نصا على حق الإنسان في حرية الإقامة داخل وطنه وعدم حرمانه تعسفًا من العودة إليه.
ثانيًا: الطبيعة القانونية للتهجير القسري
يُعتبر جريمة حرب إذا ارتكب في سياق احتلال عسكري أو نزاع مسلح.
يُعتبر جريمة ضد الإنسانية إذا كان ممنهجًا أو واسع النطاق بغرض التغيير الديموغرافي أو التطهير العرقي.
التهجير القسري لا يسقط بالتقادم وفق قواعد القانون الدولي.
ثالثًا: الآثار القانونية
1. المسؤولية الدولية لإسرائيل كقوة احتلال، عن ارتكاب جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية.
2. مسؤولية الدول المتورطة أو المتواطئة التي تقبل استقبال المهجرين بما يسهم في تنفيذ الجريمة، استنادًا إلى مبدأ عدم المشاركة في الجرائم الدولية (المادة 16 من مشروع مسؤولية الدول – لجنة القانون الدولي).
3. إمكانية تحريك الدعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد المسؤولين الإسرائيليين، وفقًا لاختصاص المحكمة الممنوح لفلسطين باعتبارها دولة عضو.
رابعًا: الموقف المصري
أكدت مصر مرارًا أن التهجير القسري للفلسطينيين “خط أحمر”، ويمثل جريمة نكراء تتعارض مع القانون الدولي ومبادئ العدالة.
التزام مصر التاريخي بدعم القضية الفلسطينية يُعزز الموقف القانوني والسياسي الرافض لهذا المخطط.
خامسًا: التوصيات
التأكيد على بطلان أي ترتيبات أو اتفاقات تتعلق بتهجير الفلسطينيين.
دعوة المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته القانونية لمنع ارتكاب هذه الجريمة.
التحرك في الأطر الدولية (الأمم المتحدة – المحكمة الجنائية الدولية – محكمة العدل الدولية) لتثبيت هذا الحق القانوني.
منذ أن هجّرت إسرائيل السواد الأعظم من الفلسطينيين في المناطق التي سيطرت عليها عام 1948 والمجتمع الدولي يطالب بحق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين بناءً على قواعد القانون الدولي، كما أكّدت ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأمر من خلال قرارها 194 لعام 1948. ومع أهمية هذا المطلب، يبدو أنّ المجتمع السياسي الفلسطيني نسي أن يضع أعلى سلم أولوياته متطلّباً سابقاً لحق العودة، ألا وهو التزام إسرائيل بالكف عن ممارسة سياسات التهجير القسري فوراً وتقديم ضمانات على عدم تكرار هذه الجريمة. من النتائج السيئة لإطار أوسلو للسلام أنّ إسرائيل لم تكف عن تهجير الفلسطينيين قسراً بعد بدء “عملية السلام”، فعلى سبيل المثال، ارتفع عدد ضحايا سحب الإقامات في القدس الشرقية أضعافاً مضاعفة، ففي حين أنّ العدد الإجمالي لمن تعرّضوا لهذه السياسة فاق الأربعة عشر ألف فلسطيني، فإنّ ألفين فقط من هؤلاء كانوا ضحية هذه السياسة قبل عملية اوسلو. كما دأبت إسرائيل على تهجير البدو الذين يسكون المناطق التي صنفت بمناطق (ج) حسب تقسيمات أوسلو وتركيزهم في مناطق صغيرة.
وفي هذا السياق، فقد انضمّت فلسطين مؤخراً إلى ميثاق روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية، كما أودعت إعلاناً حسب المادة 12 من الميثاق بما يفيد إعطاء محكمة الجنايات الدولية ولاية قضائية على أراضي الدولة الفلسطينية منذ تاريخ 13 حزيران 2014. نتيجة لهذا، امسى للمحكمة ولاية قضائية على الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية) وقطاع غزة، وهي الأراضي التي تطلب منظمة التحرير الفلسطينية الاعتراف بها كأقليم للدولة الفلسطينية. وفي ضوء عدم توقّف إسرائيل عن تهجير أعداد متزايدة من الفلسطينيين قسرا في الأرض المحتلة عام 1967، هل يمكن استخدام ولاية محكمة الجنايات الدولية لردع السياسيين الإسرائيليين عن الاستمرار بارتكاب هذه الجريمة؟ هل يمكن محاسبة من قاموا بهذه الجريمة من قبل؟
تستمر إسرائيل، كما قلنا سابقاً، في ممارسة أشكال مختلفة من التهجير القسري بحق الشّعب الفلسطيني سواء في الأرض المحتلة عام 1967 أو في الأراضي التي اقامت عليها دولتها عام 1948. وكما توثق المؤسسات الحقوقية المختلفة وغيرها من المهتمين، فإنّ التهجير القسري جزء من سياسة ممنهجة تستخدمها إسرائيل لتغيير الأوضاع الديمغرافية في المناطق التي تسيطر عليها.
بعد انضمام فلسطين إلى ميثاق روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية وإيداعها لما يفيد إعطاء المحكمة ولاية قضائية على فلسطين بأثر رجعي يعود إلى حزيران 2014، فإنّ هذا الأمر يعتبر فرصة هامة لردع إسرائيل عن الاستمرار بسياسات التهجير القسري. تورط اسرائيليين في تصميم وتنفيذ هذه السياسة قد يعرّضهم لخطر المحاكمة الدولية والعقاب، وخصوصاً مع سهولة إثبات واقعة التهجير القسري والسياسة التي تستخدمها إسرائيل في التهجير، فكل السياسات مكتوبة في التشريعات واللوائح الإسرائيلية ولن يصعب تحليلها وقياس أثرها على السكّان المدنيين وتوثيق ترحيلهم قسراً عن بيوتهم. وفي هذه الحالة، تكون مؤسسات الدولة المختلفة مسؤولة بشكل مباشر عن هذا التهجير ممّا يعرض القائمني عليها للاتهام والمحاكمة.
يدين ميثاق روما التهجير القسري بشكليه، النقل القسري للسكّان، والنفي، ففي المادة 7(1)(د)، نص الميثاق على أنّ هاتين الجريمتين تعتبران جريمة ضد الإنسانية إذا كانتا موجهتين ضد سكّان مدنيين وإذا ارتكبتا على نطاق واسع أو بشكل ممنهج. أما المادة 8 فقد اعتبرت أن الإبعاد أو النقل القسري للسكّان يعتبران جريمة حرب لأنهما انتهاك جسيم لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
لعل انضمام فلسطين إلى محكمة الجنايات الدولية فرصة هامة لدحرجة عجلة المحاسبة والعدالة، فالتهجير القسري المستمر في الأرض الفلسطينية المحتلة يتخذ أشكالاً عديدة، ويتركز بشكل متزايد في القدس ومناطق (ج) من الضفة الغربية. ولا شك أن كل حالة تهجير منفردة تشكل جريمة حرب بحد ذاتها.
وبما أن التهجير القسري في الأرض المحتلة ممنهج ويقع على نطاق واسع، فإنه يمكن الحديث عن أن جريمة التهجير القسري ترتكب كجريمة ضد الإنسانية في هذه الحالة. أما عن المتّهمين، فإنّ كل من يشارك في الجريمة، سواء كان مسؤولاً عسكرياً أو قضائياً أو سياسياً، أي كل من ثبت تورطه بطرد مدني سواء داخل الأرض المحتلة أو إلى خارجها يعتبر متورطاً جنائياً. إذا اتخذت دولة فلسطين استراتيجية قوية في إثارة السياسات الإسرائيلية العنصرية التي ينتج عنها تهجير قسري للسكّان أمام المحكمة الجنائية الدولية، فإنها ستتمكن من ردع الإسرائيليين عن الاستمرار بتصميم قوانين عنصرية، كما ستتمكن من فضح هذه السياسيات وربما التأثير في تغييرها. إن أهم ميزة للقانون الجنائي هو قدرته على الحد من الجرائم. لذا، علينا المسارعة بالاستفادة من مؤسسات العدالة الدولية لتحسين الأوضاع الحقوقية في فلسطين.