العنف المدرسي.. قنبلة صامتة تهدد مستقبل الأطفال وتفتح بابًا للانتحار

كتبت :إيمان خالد خفاجي
يشكل العنف ضد الأطفال في المدارس واحدة من أخطر القضايا التربوية والاجتماعية التي تواجه المجتمعات الحديثة، حيث لم تعد المدارس مكانًا آمنًا للتعلم فقط، بل تحوّلت في بعض الحالات إلى بيئة يسودها الخوف والاضطراب. ومع تزايد حوادث العنف البدني واللفظي داخل المؤسسات التعليمية، يتصاعد القلق حول تأثير تلك الظاهرة على الصحة النفسية للأطفال، ومدى ارتباطها بحالات الانتحار أو السلوك العدواني
تصاعد حوادث العنف في المدارس:
شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات العنف المدرسي حول العالم، ومصر ليست استثناءً. فقد كشف تقرير صادر عن المجلس القومي للأمومة والطفولة عام 2024 أن أكثر من 32% من الطلاب المصريين تعرضوا لشكل من أشكال العنف داخل المدرسة، سواء من معلمين أو زملاء.
وتنوعت أشكال هذا العنف بين الضرب، والإهانة اللفظية، والتنمر الإلكتروني، والإقصاء الاجتماعي، وهو ما يؤدي إلى خلق بيئة غير صحية نفسيًا داخل المدرسة.
نماذج من الحالات المؤلمة:
في إحدى المدارس بمحافظة الجيزة، أثار حادث وفاة طالب يبلغ من العمر 13 عامًا ضجة كبيرة بعد تعرضه للضرب المبرح من أحد المعلمين بحجة “التأديب”. وفي حادثة مشابهة بمدينة الإسكندرية، أقدمت طالبة على محاولة الانتحار بسبب تنمر زميلاتها المتكرر وسخرية المعلمة من مظهرها أمام الفصل.
تلك الوقائع ليست معزولة، بل تكشف عن سلسلة من الأحداث المتكررة التي تهدد الأطفال نفسيًا وجسديًا.
تأثير العنف على الصحة النفسية للأطفال:
أكدت منظمة اليونيسف في تقريرها لعام 2024 أن الأطفال الذين يتعرضون للعنف المدرسي هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة 60% مقارنة بغيرهم، كما ترتفع لديهم معدلات التفكير في الانتحار بنسبة 40%.
ويشير الأطباء النفسيون إلى أن العنف المتكرر يخلق لدى الطفل شعورًا دائمًا بالخوف وفقدان الثقة بالنفس، مما قد يدفعه إلى الانعزال أو ردّ العنف بعنف أكبر.
هل يدفع العنف إلى الانتحار؟
الدراسات النفسية الحديثة تؤكد وجود علاقة وثيقة بين العنف المدرسي والانتحار، خاصة لدى الفئة العمرية من 10 إلى 17 عامًا.
وفي مصر، سجلت بعض المحافظات خلال عام 2023 أكثر من 25 حالة انتحار بين طلاب المدارس، كان السبب المباشر في معظمها هو التنمر والعنف اللفظي من زملائهم أو مدرسيهم، بحسب تقارير إعلامية محلية.
ومع ذلك، يوضح الخبراء أن الانتحار لا يكون نتيجة حادث واحد فقط، بل تراكمات نفسية ناتجة عن الإهمال والعنف المستمر دون تدخل علاجي أو دعم نفسي.
الجهود الحكومية والتربوية للحد من الظاهرة:
تعمل وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع المجلس القومي للطفولة والأمومة على تنفيذ حملات توعية داخل المدارس تحت شعار “مدرسة بلا عنف”، تهدف إلى تدريب المعلمين على أساليب التعامل الإيجابي مع الطلاب، وتعزيز مفهوم الانضباط القائم على الاحترام وليس العقاب.
كما تم إنشاء خط نجدة الطفل (16000) لتلقي شكاوى العنف المدرسي ومتابعة الحالات من خلال لجان حماية الطفل بالمحافظات.
خاتمة التقرير:
إن العنف المدرسي ليس مجرد سلوك فردي بل هو مشكلة مجتمعية تحتاج إلى تعاون الأسرة والمدرسة والمجتمع بأكمله. فحماية الأطفال من العنف ليست رفاهية، بل هي ضرورة لبناء جيلٍ متوازن نفسيًا قادر على الإبداع والعطاء.
وما لم يتم القضاء على ثقافة “العقاب بالعنف”، سيظل بعض الأطفال يعيشون في خوف دائم، وقد يتحول هذا الخوف يومًا إلى مأساة جديدة.
—