صفحات من تاريخ القوات البحرية المصرية

يمتد تاريخ البحرية المصرية لأكثر من سبعة الآف وخمسمائة عام، الأمر الذى يصعب على أى باحث أن يتناولة فى صفحات معدودة، لذا فقد تخيرنا بعض المحطات الرئيسية لهذا التاريخ الغنى والحافل بالأحداث والتى يمكن أن تقسم كالتالي:
– المحطة الأولى: بحرية عصر قدماء المصريين
– المحطة الثانية: بحرية عصر البطالمة
– المحطة الثالثة: بحرية العصر الإسلامى
– المحطة الرابعة: بحرية العصر الفاطمى
– المحطة الخامسة: بحرية عصر الإيوبيين والمماليك
– المحطة السادسة: بحرية العصر الحديث والمعاصر
وتنقسم بحرية العصر الحديث والمعاصر إلى خمس بحريات كالتالي:
– البحرية الأولى: بحرية محمد على
– البحرية الثانية: بحرية الخديوى إسماعيل
– البحرة الثالثة: بحرية الملك فاروق
– البحرية الرابعة: بحرية الثورة جمال عبد الناصر
– البحرية الخامسه: بحرية الرئيس السيسى
لمحات من المحطة السادسة للبحرية المصرية “العصر الحديث”.
البحرية الأولى: بحرية محمد على
– عندما تولى محمد على حكم مصر عام 1805 م لم تظهر أهتماماته البحرية، حيث بدأت أهتماماته بالبحر نتيجة حملة فريزر 1807 م، وكانت الحرب الوهابية هى الدافع الأساسى لأنشاء أسطول بحرى واستعان بترسانة بولاق التى أنشأها الفرنسيين لبناء الأسطول واستعان بالملاحين التجاريين “الفرنسيين – الإنجليز – اليونانيين” وبعض العبيد والأتراك الذين أرسلوا من الدولة العثمانية.
قامت فرنسا ببناء ثلاث سفن حربية فى أغسطس 1826 م بترسانة مرسيليا ثم توقفت قرنسا لهجوم الصحافة الشديدعلى تسليح مصر بأحدث السفن التى يمكن أن تستخدم ضد الثوار اليونانيين. فاتجه إلى إيطاليا وأنجلترا لأستكمال أسطوله. ولكن بعد موقعة نفارين وتدمير الأسطول المصرى كان من الصعب بناء السفن فى الخارج فاستعان بالمهندس الفرنسى دى سيريزى وبالخبرات المصرية لاصلاح وترميم السفن بعد معركة نفارين وسم سياسة انشائية جديده لبناء الاسطول المصرى.
فانشأ المدرسة البحريةه بالاستعانة بضياط فرنسيين ووضع نظام للتجنيد، كما أهتم برجال البحريه تدريبياً وصحياً. فأنشأ مستشفيان بحريان لعلاج رجال البحرية وزوجاتهم، وكلف كلود بك بأنشاء مستشفى رأس التين طبقاً لأحدث النظم الأوروبية، وكان هناك كشف دورى شهرى على رجال البحرية.
قامت بحرية محمد على بأعمال قتالية كبيرة فى حرب المورة وأخماد الحركه الوهابية وموقعة ستامباليا 1824م ومعركة سيريجو 1825م والاستيلاء على عكا ومعركة نصبين ومعركة طابية العرب ضد الروس. والمعركة ضد العثمانيين حيث سلم قائد الأسطول العثمانى الأسطول بالكامل لمحمد على عام 1839م. وكان انهيار الدولة العثمانية سبباً لتدخل الدول الكبرى وقيدت سلطات محمد على وقوته البحريه والحربيه بموجب فرمان 1841م.
– البحرية الثانية: بحرية الخديوى أسماعيل:
عندما تولى الخديوى اسماعيل الحكم كانت بحرية محمدعلى قد أضمحل شأنها. فبدأ بأعادة تكوين وتنظيم الأسطول الحربى والتجارى وبترسانات بناء وصيانة وأصلاح السفن وبالمدرسة البحريه، واستقدم ضباط أمريكيون لتطوير البحرية.
وشارك الأسطول فى أعمال مجيده منها اخماد ثورة العسير1863م باليمن – أخماد ثورة كريت 1866م – نقل القوات وتعزيز الحاميات بجزيرة كريت – حملة الصومال – حرب البلقان (1876-1877) م وبسط النفوذ المصرى فى البحر الأحمر وحارب تجارة الرقيق كما أنشاء أسطولاً تجارياً كبيراً يجوب البحار.
جاء الاحتلال البريطانى والذى عمد على تدمير مكونات قوة مصر فى البحر فألغى الأسطول وخرد سفنه وألغى ترسانات بناء وأصلاح السفن، وبيعت السفن التجاريه إلى شركات إنجليزية وعين ربابنه أجانب بدلاً من الربابنه المصريين والذين نقلوا للعمل فى السكك الحديدية.
– البحريه الثالثة: بحرية الملك فاروق الأول:
دفعت البحرية المصرية ثمن مساهمتها فى الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء فقدت 22.1% من حمولة سفنها وأصيب نصف قطاعها البحرى إصابات فادحة وغرق 63% من حمولة سفنها التجاريه. وقد أرسل القائد العام لأساطيل الحلفاء فى البحر المتوسط عام1946 م خطاب يشكر فيه ما قدمته البحرية المصرية من معاونة كان لها أثراً فى احراز النصر.
أصدر الملك/ فاروق مرسوماً ملكياً فى ديسمبر 1946م بأنشاء السلاح البحرى المصرى، وأشترت مصر بعض السفن القديمة “كاسحات ألغام” وبعض سفن القتال من بريطانيا وأمريكا.
ولم تلبث أن قامت حرب 1948م والتى أشترك فيها السلاح البحرى المصرى الوليد وكان من أبرز أعماله قصف ميناء قيصرة – قصف ميناء نهاريا – معركة المجدل البحرية – معركة غزه الأولى – معركة غزة الثانية – قصف ميناء تل أبيب – قصف ميناء غزة.
وقد أبلى السلاح البحرى المصرى بلاءً حسناً ونفذ المهام المسندة إليه بكفاءة من نقل مؤن وذخائر وتموين للقوات البرية للأشتباك مع العدو ومراقبة الموانى الأسرائيلية أثناء الهدنة وحراسة السواحل وضرب موانىء العدو وتأمين أجناب قواتنا وتم تزويده بمدمرات بريطانية الصنع.
– البحرية الرابعة: بحرية “الثورة” جمال عبد الناصر:
تم أعادة تنظيم السلاح البحرى عام 1955م ليصبح القوات البحرية وتولى قيادتها الفريق أول/ سليمان عزت طورت الكلية البحرية، والمنشأت التعليمية والمدارس التخصصية والورش الرئيسية وزودت بالمدمرات الروسية طراز سكورى والغواصات والقناصات وكاسحات الألغام ولنشات الصواريخ ولنشات القاطرة وسفن الأبرار وسفن الأمداد والمدفعية والصواريخ الساحلية… إلخ.
سرعان ما حدث العدوان الثلاثى عام 1956م ودخلت القوات البحرية فى حرب ضد بحريات كبيرة لدول عظمى انتصرت فى حرب عالمية ورغم ذلك أبلت قواتنا البحرية بلاءً حسناً فى حرب غير متكافئه.
اهتم الرئيس جمال عبد الناصر بقوة مصر فى البحر فبجانب إعادة بناء وتنظيم القوات البحريه، طور ترسانة الإسكندرية لتبنى سفن الأسطول التجارى المصرى وإنشاء ترسانات وشركات صيانة وإصلاح السفن والتوكيلات الملاحية والأسطول التجارى وأسطول الصيد وأمم قناة السويس، وهنا يجب أن نتذكر دور قواتنا البحرية فى تأميم قناة السويس وتشغيلها بعد أضراب المرشدين الأجانب. كذا فى تطهير القناة من مخلفات الحروب.
كان لقواتنا البحرية دوراً بارزاً فى دعم الوحدة مع سوريا وفى دعم ثورة اليمن كذا دعم استقلال الجزائر.
تعد قواتنا البحرية هى الفرع الرئيسى الوحيد الذى لم يهزم فى حرب 1967م. بل نجحت فى احباط الهجوم على ميناء بورسعيد وتأمين ميناء الإسكندرية واغراق غواصة اسرائيلية والقبض على عدد (6) ضفدع بشرى إسرائيلى فى ميناء الإسكندرية وأخذهم أسرى وأحباط هجومهم وتأمين السفن والوحدات البحريه بالميناء. ولم تخسر قواتنا البحرية أى من سفنها أو وحداتها البحرية.
كما كان لقواتنا البحرية دوراً بارزاً فى حرب الاستنزاف بدءً بالصاعقة البحرية التى كانت العمود الفقرى للمجموعة 39 قتال قياده البطل العميد اح / إبرهيم الرفاعى التى اذاقت العدو المرار وقامت بأعمال غير مسبوقة ورجال الاستطلاع خلف خطوط العدو والغواصات التى كانت تظل بالبحر لمدة شهر لتستطلع موانى العدو.
وكذا الاعمال القتالية الناجحة التى نفذتها قواتنا البحرية فى مسرح البحر المتوسط أغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات فى 21 أكتوبر 1967م بأول صاروخ بحرى فى العالم يطلق من وحدة صغيرة ليدمر وحدة كبيرة، أغراق غواصة إسرائيلية فى 23 يناير 1968م- قصف منطقتى رمانة وبالوظة بمدفعية المدمرات فى 8 نوفمبر 1969م- أغراق سفينة أبحاث إسرائيلية فى 15 مايو 1970م وفى مسرح عمليات البحر الأحمر الإغارة الناجحة على ميناء إيلات ثلاث مرات بفاصل زمنى حوالى ثلاثة أشهر لأول مره فى تاريخ عمليات القوات الخاصه وتدميرأرصفة وسفن به (15نوفمبر 1969 – 5 فبراير1970- 14مايو 1970) بالإضافة إلى تدمير الحفار كينتج فى غرب أقريقيا خارج مسرح العمليات فى 8 مارس 1970.
أما فى حرب أكتوبر73 المجيده فقد تبلورت فكرة العملية فى هدفين الهدف الأول “استراتيجى” وهو الضغط على الاقتصاد الإسرائيلى من خلال حرمان اسرائيل من امدادات البترول المنقولة بحراً.
والهدف الثانى “تعبوى” معاونة أعمال قتال قواتنا البرية العاملة بجوار الساحل بالاشتراك فى التمهيد النيرانى والمعاونة النيرانية وقصف الأهداف الحيوية القريبة من الساحل للعدو فى المناطق المحتلة وتأمين النطاق التعبوى للقوات البحرية بالبحرين المتوسط والأحمر بغرض حماية أماكن تمركز وحداتنا البحرية فى الموانى والمراسى وجعلها مفتوحة أمام حركة النقل البحرى وتأمين الأهداف الحيوية القريبة من الساحل.
وكانت أبرز نتائج أعمال قتال القوات البحرية هى إغلاق ميناء إيلات أمام النقل البحرى الإسرائيلى إعتباراً من يوم 8 أكتوبر بينما ظلت الموانى المصرية مفتوحة طوال فترة الحرب – حرمان إسرائيل من إمدادات البترول المنقولة بحراً فى البحر الأحمر- نجحت القوات البحرية فى تأمين الموانى المصرية والأهداف الحيوية.
بعد حرب أكتوبر 1973 حرص الرئيس/ السادات على تنويع مصادر السلاح وتطوير القوات البحريه وتبعه الرئيس/ مبارك فى بناء قاعدة التأمين الفنى والإدارى للوحدات البحرية والحفاظ على كفاءة الوحدات البحرية وتطويرها وتزويد القوات البحرية بلنشات الصواريخ طراز رمضان من شركة فوسبر البريطانية وطراز أكتوبر المصنعة فى مصر والمزودة بالصواريخ طراز اوتومات والقراويط الإسبانية طراز ديسكوبرتا وصائدات الألغام والمدمرات طراز نوكس وبيرى الأمريكية والفرقاطات والقناصات والغواصات الصينية ولنشات الصواريخ وسفن الامداد وسفن التموين الألمانية.. الخ والاهتمام بالتدريبات المشتركة التى اكسبت قواتنا البحرية المهارة والحرفية فى نتفيذ المهام القتالية والتعاون مع الوحدات البحرية الصديقة مما مكنها من الاشتراك فى تأمين ونقل القوات فى حرب تحرير الكويت “عروبه 90”.
وكان لقواتنا البحريه دوراً بارزاً فى تطهير قناه السويس من الألغام ومن مخلفات حرب 1973 كذا فى تأمين السفن العابره والسفن ذات الأهميه الخاصه بالأضافه إلى إجلاء المصريين العالقين بليبيا وتأمين الأهداف الحيوية والمدن الساحلية والانتخابات بها عقب ثورات الربيع العربى.
– البحرية الخامسة: بحرية الرئيس عبد الفتاح السيسى:
عقب تولى الرئيس/ عبد الفتاح السيسى ركز على أهمية قوة مصر فى البحر وعمل على تنمية كافة مكوناتها وإعادة تفعيل موقع مصر الاستراتيجى، فوضع البعد البحرى فى مكانه الصحيح فى السياسية المصرية، حيث تبلورت حتمية تطوير وتحديث قواتنا البحرية لحماية المصالح الاقتصادية المصرية فى البحر “الاقتصاد الأزرق”، كذا لسد الفراغ فى التوازن الاستراتيجى خاصةً فى شقة العسكرى بالمنطقة والناتج عن ثورات الربيع العربى.
بالإضافة إلى تأمين المشروع الرئيس لمصر للقرن الواحد والعشرين وهو المنطقة الاقتصادية لقناة السويس والذى يعتمد فى المقام الأول على البعد البحرى ويعد التفعيل الثانى لموقع مصر الاستراتيجى بعد شق قناة السويس.
فشق قناة السويس الجديدة وربط سيناء بأنفاق تحت القناة، وانشاء شبكة ومحاور طرق وسكك حديديه وموانىء لخدمة النواحى اللوجستية. كما طورت ترسانات بناء وأصلاح السفن ولأول مرة منذ عهد الخديوى إسماعيل تصنع فرقاطة بخبرة فرنسية وأيدى مصرية، وتوسعت الاكتشافات البترولية والغازية ورسمت المناطق الاقتصادية… إلخ.
وأعيد تنظيم قواتنا البحرية وأصبح لدينا أسطولين وأنشأت موانىء وقواعد بحرية جديدة. كما زودت بأحدث ما فى الترسانات العالميه مثل سفن الاقتحام البرمائى حاملات المروحيات الفرنسيه “طراز ميسترال” ولأول مرة فى تاريخ قواتنا البحرية تدخل الخدمة فيها وحدة بحرية حمولة 21 ألف طن بينما لم تتجاوز حمولة أكبر وحده لدينا 5 ألاف طن والفرقاطات الشبحية الفرنسيه الحديثه طراز فريم والقراويط الشبحيه الحديثه طراز جوويند وطراز ميكو الألمانيه والغواصات الألمانيه المتطوره طراز 206، ولنشات الصواريخ الأمريكيه طراز أمبسادور ولنش الصواريخ الروسى الحديث طراز مولينيا… وغيرها.
وطورت الوحدات الخاصة البحرية بأحدث التسليح والمعدات، كذا وحدات المدفعية والصواريخ الساحلية. وزيد عدد لنشات المرور الساحلى لاحكام السيطرة على المياه الإقليمية وقد شمل التطوير كافة عناصر القوات البحرية والمنشآت التعليمية والورش والمخازن وقاعدة التأمين الفنى…إلخ، وزودت القوات البحريه بأحدث تقنيات المحاكيات.
وركز الاهتمام على التدريبات المشتركة، وأصبحت قواتنا البحرية تحتل مكانة متقدمة فى تصنيف البحريات العالمية وقادرة بإذن الله على تنفيذ مهامها وحماية وتأمين المصالح المصرية، فى البحرين المتوسط والأحمر.
تحية إجلال وتقدير
لكل من تولى قيادة القوات البحرية المصرية المجيدة ومعاونيهم، حيث حرص كل منهم على تطويرها وبنائها باخلاص وعلى أسس علمية وطبقاً للامكانيات المتاحة فى وقته، لتصل إلى بنيان شامخ فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى، وتصبح قوة بحرية وطنية غيرمسبوقه ذات قدرات قتالية عالية نفخر بها جميعاً لتحمى وتؤمن هذا الوطن الغالى.
بقلم / لواء بحرى اح محمود متولى
خبير عسكرى واستراتيجى
عضو المجمع العلمى المصرى
أمين عام الصالون البحرى