الرئيسيةمقالات الرأي

صلاح جمعة يكتب : الضربات الإسرائيلية الأمريكية لإيران كانت مقررة.. والمهلة كانت ستارًا.. وفرض القوة شعار المرحلة

 

بقلم صلاح جمعة .. نائب رئيس وكالة أنباء الشرق الأوسط

بينما كانت الأنظار تتجه نحو التهدئة وإعطاء فرصة للمسار الدبلوماسي في ظل تصاعد الحرب بين إسرائيل وإيران، كشفت التحركات الأميركية أن ما بدا كجهد سياسي لاحتواء التصعيد لم يكن في حقيقته سوى غطاء لخطة عسكرية لضرب إيران .

أقدمت الإدارة الأميركية على استخدام الخداع الاستراتيجي مرتين متتاليتين، أثارتا العديد من التساؤلات حول نوايا واشنطن الحقيقية.

المرة الأولى تمثلت في الإعلان عن جولة مفاوضات مرتقبة مع إيران في سلطنة عمان، والتي كانت مقررة يوم الأحد 15 يونيو ، لكن هذا الإعلان لم يكن سوى جزء من تمويه سياسي محسوب، تم بالتنسيق مع إسرائيل، التي عقدت العزم على تنفيذ ضربات عسكرية على مواقع إيرانية حساسة فجر يوم الجمعة 13 يونيو، في إطار عملية تم الاتفاق عليها مسبقًا بين الجانبين، بعد أن وُضعت الخطط العسكرية موضع التنفيذ.

أما المرة الثانية، فجاءت حين أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن منح إيران مهلة دبلوماسية مدتها أسبوعان، لإفساح المجال أمام حل سلمي للأزمة المتصاعدة ،وبالتوازي أبلغ وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو عددًا من الحلفاء الأوروبيين بأن واشنطن تفضل التهدئة، وتسعى لتفادي التصعيد، وتمنح الأولوية للمسار الدبلوماسي.

غير أن ما تلا ذلك سرعان ما كشف حقيقة التوجه الفعلي للإدارة الأميركية، بعيدًا عن لغة التهدئة المعلنة ، ففي فجر الأحد، أعلن الرئيس ترامب عن تنفيذ عملية عسكرية استهدفت ثلاثة من أهم المواقع النووية الإيرانية: فوردو، نطنز، وأصفهان، مؤكدًا أن الضربة الجوية كانت ناجحة للغاية، وأن جميع الطائرات الأميركية المشاركة عادت إلى قواعدها دون خرق المجال الجوي الإيراني.

هذا التحرك السريع، بعد التعهد العلني بإتاحة فرصة للدبلوماسية، يثير تساؤلات جوهرية حول صدقية التصريحات السياسية، ومدى التزام الإدارة الأميركية بما تعلنه أمام العالم، مقارنة بما تنفذه على الأرض.

ما جرى يشير بوضوح إلى أن المهلة، وكذلك الإعلان عن المفاوضات، لم يكونا سوى غطاء سياسي لتحرك محسوم مسبقًا و التهدئة المعلنة لم تكن خيارًا صادقًا، بل أداة لتضليل وتحييد، وتمكين الهجوم في توقيت محسوب بدقة.

في هذا السياق، يتحول الحديث عن الدبلوماسية من كونه مسارًا استراتيجيًا للحل، إلى وسيلة تُستخدم لتضليل الخصم، وتهدئة الحلفاء، وإخفاء النوايا الحقيقية، وهي ممارسة تُضعف الثقة في الالتزامات الدولية، وتربك أي محاولات مستقبلية للحوار أو الوساطة.

ما حدث لا يمكن وصفه إلا بكونه خرقًا صارخًا للمنطق الدبلوماسي، واستخدامًا مقصودًا للوعود السياسية كستار لتحرك عسكري معد سلفًا ، و هذا النهج، الذي تتبعه الإدارة الأميركية الحالية بقيادة ترامب، لا يقوض فقط مصداقية واشنطن، بل يفقدها ثقة شركائها، ويعمق شكوك العالم تجاه نواياها الحقيقية في إدارة الأزمات الدولية.

فإذا كانت هذه هي الطريقة التي اختارتها الولايات المتحدة للتعامل مع الملفات الدولية الحساسة، فإن الثقة فيها، وفي قيادتها، ستكون على المحك، ليس فقط في هذه الأزمة، بل في كل أزمة مقبلة.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب اختتم تغريدته التي أعلن فيها تنفيذ الضربة الأميركية على إيران بقوله: “الآن هو وقت السلام” ، وهي عبارة تفتح باب التساؤل: ما المقصود منها؟ هل ستكون شعارًا للمرحلة القادمة (فرض السلام بالقوة)؟ هل هو جاد فعلًا في تحقيق السلام بعد الضربة؟ أم أن هذا التصريح ليس إلا خدعة ثالثة تهدف إلى سحب الذريعة من يد إيران، ومنعها من الرد، وتقديم الضربة للعالم وكأنها نهاية التصعيد لا بدايته؟

إن صدور هذه العبارة فور الهجوم لا يعبر عن تحول في الاستراتيجية الأمريكية فقط (فرض السلام بالقوة)علي الجميع ، بل يجسد صورة أميركا كقوة مسؤولة، في الوقت الذي تبقي فيه يدها على الزناد إنها دعوة للسلام تُطلق من بين ألسنة اللهب، وتخفي وراءها استعدادًا لمشهد أبعد ما يكون عن السلام.

زر الذهاب إلى الأعلى