غزو أمريكي محتمل لفنزويلا.. من ينتصر في الحرب؟

أدى التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وفنزويلا في الأشهر الأخيرة إلى طرح السؤال: ماذا لو قررت واشنطن غزو فنزويلا؟ رغم أن مثل هذا الخيار يبدو متطرفاً ومحفوفاً بالمخاطر، فإن تحليل هذا السيناريو يقدم فهماً أفضل للتوازنات والنقاط الحرجة التي قد تُقرّر من ينتصر فعلياً — أو من يتحمل العبء الأخلاقي والاقتصادي والسياسي الأكبر.
في هذا التقرير، سنستعرض العوامل العسكرية، السياسية، الاقتصادية، والإنسانية التي ستحدّد في الواقع مآلات أي تدخل أميركي كبير في الأراضي الفنزويلية.
واشنطن تملك تفوقاً تقنياً هائلاً في المجالات الجوية والبحرية، مما يمنحها القدرة على فرض ضربات دقيقة على البنى التحتية للفنزويليين، تعطيل قدراتهم على التمركز والدفاع، وقطع خطوط الإمداد.
مؤسسة CSIS تشير إلى أن الولايات المتحدة نشرت حالياً مجموعة كبيرة من السفن، غواصات، وقوات دعم في الكاريبي لتهيئة “بيئة ضغط” قبل أي تدخل برّي محتمل.
على الرغم من تفوق القوى الأميركية، فإن فنزويلا ليست ضعيفة تمامًا. الحكومة تمتلك بعض أنظمة دفاع جوية قديمة، قطع من الأسلحة الحديثة، فضلاً عن انتشار ميليشيات محلية مؤيدة للنظام. هذا يمكن أن يؤدي إلى حرب عصابات في الداخل، مما سيجعل السيطرة الكاملة مكلفة ومعقدة.
مقال في Stimson يُحذّر من أن الضربات الجوية وحدها لن تقضي على شبكات المخدرات أو السيطرة الكاملة على الأراضي، خاصة إذا تصاعدت المقاومة الداخلية.
في هذا السيناريو، تسيطر الولايات المتحدة بسرعة على المناطق الساحلية والعاصمة كاراكاس والمطارات، وتُعلن “انتصارًا” رمزيًا. لكنها لا تسيطر على كامل الأراضي الفنزويلية، وتستمر المواجهات في المناطق الداخلية والريفية حيث تنتشر المقاومة والعصابات المحلية.
بعد السيطرة الأولية، تبدأ المقاومة الشعبية وظهور حرب عصابات تستنزف القوات الأميركية. هذا السلوك قد يطيل الصراع سنوات ويكلف الكثير — في الأرواح والمعدات والموارد.
كما أن الدعم الخارجي لفنزويلا من دول مثل روسيا والصين أو عبر تزويدها بالمساعدات اللوجستية قد يزيد من صعوبة المهمة الأميركية.
إذا واجهت الولايات المتحدة مقاومة قوية من الداخل وضغوطًا دولية واقتصادية، قد تضطر إلى سحب قواتها من بعض المناطق، والتركيز على شكل من أشكال الاحتلال المحدود أو التفاوض على تسوية جزئية.
أي غزو أميركي سيواجه رفضاً دبلوماسياً واسعاً في أمريكا اللاتينية، وقد يؤدي إلى تكتّل إقليمي ضد التدخل الأميركي. الدول المجاورة قد تستضيف لاجئين وقد تفرض عقوبات أو تلتزم بعدم التعاون.
مؤسسة Crisis24 تؤكّد أن المجاوزات البحرية الأميركية في الكاريبي تزيد من التوجس الإقليمي وتضع واشنطن تحت رقابة قوية.
أي تدخل عسكري من الولايات المتحدة في فنزويلا سيُعتبر خرقاً خطيراً لقواعد القانون الدولي وسيادة الدول. فحتى الضربات البحرية وقصف القوارب تثير تساؤلات قانونية، خاصة إذا لم تُقدّم واشنطن مبررات شفافة أو اعتماداً من الأمم المتحدة.
خبراء في CFR يقولون إن ضرب أمريكا للقوارب الفنزويلية يُشكّل اختبارًا للقانون الأميركي والدولي، خاصة في مسألة التمييز بين مكافحة المخدرات والحرب.
حتى لو استطاعت واشنطن إسقاط حكومة مادورو، فإن إدارة مرحلة ما بعد الفوز ستكون الأصعب. إعادة بناء المؤسسات، استعادة الخدمات، مواجهة الانقسام الاجتماعي، وبعض الأجزاء التي ربما ترفض السيطرة الخارجية.
في تقرير Stimson يُشير إلى أن التدخل الخارجي لإسقاط نظام غالبًا ما يؤدي إلى فوضى طويلة الأمد ما لم تُجهز الإدارة المتدخلة بشكل كامل للتحدي.
اقتصاد فنزويلا، المنهك أصلاً بفعل العقوبات الداخلية والأزمات، سيُواجه تدميراً شبه كامل. الإنتاج النفطي سيتضرر بشدة، البنى التحتية تتحطم، والتبعية الخارجية ستتفاقم.
الولايات المتحدة ستتكبد تكاليف باهظة: تكلفة القتال، إعادة الإعمار، الحماية الأمنية، وحتى الدعم الصحي والإغاثي للسكان المدنيين. كل هذه الأعباء يمكن أن تضع ضغوطًا داخلية على الميزانية والرأي العام.
من المتوقع أن تهرب أعداد كبيرة من الفنزويليين نحو دول الجوار والأمم المتحدة، مما يُثقل كاهل الدول المجاورة والعالم في التعامل مع موجة اللجوء.
هذا سيناريو استهلاكي لميزانيات أكبر وتوترات سياسية في بلدان الاستقبال.
إذا غزت الولايات المتحدة فنزويلا، فإن النصر العسكري الجزئي في المدى القصير أقرب ما يكون إليها، لكن النصر الكامل المستدام ليس مضمونًا إطلاقاً.
قد تنجح واشنطن في إسقاط الحكم، احتلال بعض المناطق، وفرض سلطة فوقية، لكن سيطرة كاملة وإدارة مستدامة ستواجه مقاومة عنيفة من الداخل، أزمة شرعية دولية، وتكاليف اقتصادية واجتماعية هائلة.