الرئيسية

من المنيا إلى فيصل.. الوجه الخفى لجرائم السم المركّب

 

كتبت :إيمان خالد خفاجي

منذ القِدم، ظل السم سلاحًا غادرًا يختبئ خلف الهدوء والابتسامات، يقتل دون صوت، ويترك خلفه علامات يصعب تمييزها إلا بعين خبيرة. واليوم، ومع تكرار جرائم القتل باستخدام السم، تتجدد الأسئلة حول دوافع هذه الجرائم وطرق كشفها والعقوبات التي تنتظر مرتكبيها.

في الأيام الأخيرة، تصدرت حادثة سيدة المنيا عناوين الأخبار بعد أن أقدمت على تسميم زوجها وأبنائها، مدفوعة برغبة انتقامية بعدما علمت بنيّته العودة إلى زوجته الأولى.

لم يكد الرأي العام يستوعب تفاصيل الواقعة حتى جاءت جريمة أخرى في منطقة فيصل، حين أقدم أحد المواطنين على دس السم لسيدة وأطفالها الثلاثة بسبب خلافات بينهم، في مشهد يبعث على الأسى ويدق ناقوس الخطر حول استخدام السم كسلاح للجريمة الهادئة.

السم، بخطورته وسهولة الحصول عليه نسبيًا، يمثل تحديًا كبيرًا أمام أجهزة الأمن والطب الشرعي، فالجريمة التي تُنفذ به غالبًا ما تفتقر إلى آثار عنف أو مقاومة، ما يجعلها أشبه بلغز معقد لا تُفك طلاسمه إلا بعد فحوص دقيقة ومطولة.

وهنا يأتي دور الطب الشرعي الذي يمتلك الكلمة الفصل في إثبات الجريمة، عبر تحاليل السموم التي تكشف نوع المادة السامة، وكمية الجرعة، وطريقة دخولها إلى الجسم، لتتحول النتائج إلى خيوط حاسمة في يد جهات التحقيق.

ورغم صعوبة تلك القضايا، فإن أجهزة وزارة الداخلية أثبتت كفاءة لافتة في تتبع خيوط الجرائم المماثلة، مستندة إلى خبرات عناصر البحث الجنائي المدربة على قراءة التفاصيل الدقيقة وربطها ببراعة، فكل مكالمة، وكل زجاجة، وكل أثر على مائدة، قد يكون مفتاحًا للحقيقة التي لا تخفى طويلًا أمام العيون المدربة.

قانونيًا، يضع المشرّع عقوبة صارمة لمن يثبت تورطه في القتل بالسم، إذ تُعامل الجريمة باعتبارها “قتلًا عمدًا مع سبق الإصرار”، وعقوبتها تصل إلى الإعدام إذا توافرت أركان الجريمة الكاملة. فالقانون لا يفرّق بين رصاصة تنطلق وسُمّ يُدس، فكلاهما يسلب الحياة عمدًا ويستحق أقصى العقاب.

إن وجود هذه الجرائم لا يعكس فقط تطورًا في وسائل الجريمة، بل يكشف جانبًا مظلمًا من السلوك الإنساني حين تتحول الخلافات الشخصية أو الغيرة أو الانتقام إلى دافع للقتل البارد.

ويبقى الوعي المجتمعي، إلى جانب يقظة الأجهزة الأمنية، هو الدرع الأول لمواجهة هذا النوع من الجرائم التي تحاول الاختباء خلف صمت الموت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى