عرب وعالم

موجة تاريخية من الاعترافات بدولة فلسطين.. تحوّل غربي يعيد رسم خريطة الصراع

عبدالرحمن ابودوح

في تطور وصف بـ”التاريخي”، شهدت الساحة الدولية خلال الأسابيع الأخيرة موجة متصاعدة من الاعترافات الرسمية بدولة فلسطين، أبرزها إعلان المملكة المتحدة وكندا وأستراليا والبرتغال الاعتراف بها رسميًا، في حين أكدت دول أخرى، بينها مالطا وفرنسا، نيتها المضي قدمًا في اتخاذ الخطوة ذاتها.

ويُمثّل هذا التحول نقطة فارقة في موقف عدد من الدول الغربية، التي لطالما ارتبطت بعلاقات استراتيجية وثيقة مع إسرائيل، ما يعكس تغييرًا لافتًا في المزاج الدولي تجاه القضية الفلسطينية، ويعيد تسليط الضوء على حل الدولتين كمسار محتمل لإنهاء الصراع.

خارطة الاعترافات: أكثر من 150 دولة

بحسب إحصاءات الأمم المتحدة ومنظمات دولية، بلغ عدد الدول التي اعترفت بدولة فلسطين رسميًا نحو 146 دولة بحلول منتصف عام 2024، فيما ارتفع العدد إلى قرابة 151 دولة بحلول سبتمبر 2025، بعد انضمام عدد من الدول الغربية إلى قائمة المؤيدين.

ويُعدّ هذا التقدم تحولًا نوعيًا، إذ كانت معظم الاعترافات السابقة من دول “الجنوب العالمي”، بينما يشهد العام الجاري انضمام قوى أوروبية وأطلسية وازنة، ما يمنح الاعترافات زخمًا سياسيًا غير مسبوق.

أبرز الدول التي اعترفت أو أعلنت نيتها الاعتراف

  • المملكة المتحدة: أعلنت في 21 سبتمبر 2025 اعترافها الرسمي، مؤكدة أن القرار يأتي دعمًا لحل الدولتين وليس لأي فصيل مسلح.

  • كندا: أقدمت على الخطوة نفسها في اليوم ذاته، معتبرة الاعتراف مدخلًا لإحياء عملية السلام.

  • أستراليا: انضمت إلى الركب في تحول كبير عن موقفها التقليدي.

  • البرتغال: أكدت اعترافها الكامل بدولة فلسطين.

  • مالطا: تعهدت بإعلان الاعتراف قريبًا ضمن مساعٍ لتعزيز الموقف الأوروبي الموحد.

  • فرنسا: أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون عزمه اتخاذ الخطوة خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

  • بلجيكا: تربط الاعتراف بمعايير معينة لكنها تقترب من تبني القرار.

وفي تطور رمزي مهم، أعلنت بريطانيا عن إدراج دولة فلسطين على خرائطها الرسمية لأول مرة عقب إعلان الاعتراف.

الاعتراف.. ماذا يعني قانونيًا وسياسيًا؟

يستند الاعتراف القانوني بالدول إلى اتفاقية مونتفيديو لعام 1933، التي تشترط وجود شعب دائم، وإقليم محدد، وحكومة، والقدرة على إقامة علاقات دولية. ورغم استمرار الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن اتساع رقعة الاعتراف بفلسطين يعزز شرعيتها على الساحة الدولية.

وتتراوح أشكال الاعتراف بين:

  • رمزي: تقديم الدعم السياسي دون علاقات دبلوماسية كاملة.

  • كامل: يشمل تبادل السفراء وفتح بعثات دبلوماسية، وتوقيع اتفاقيات رسمية.

تأثيرات الاعتراف على القضية الفلسطينية

  • سياسيًا: يشكل ضغطًا متزايدًا على إسرائيل، لاسيما من حلفاء تاريخيين، وقد يمهّد الطريق لتحركات أممية جديدة بشأن حل الدولتين.

  • قانونيًا: يعزز موقف فلسطين في المحاكم الدولية مثل محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية، ويمنحها أدوات إضافية لمساءلة الاحتلال.

  • شعبيًا: يمنح الفلسطينيين دفعة معنوية ويعزز حضور القضية دوليًا، لكنه يرفع أيضًا سقف التوقعات بشأن ترجمة هذه الاعترافات إلى تغيير فعلي على الأرض.

  • إقليميًا ودوليًا: قد يدفع دولًا أوروبية أخرى لاتخاذ خطوات مشابهة، ويعيد رسم علاقات بعض القوى الإقليمية، مع احتمال ردود إسرائيلية دبلوماسية أو أمنية.

آراء متباينة

يرى محللون أن الاعترافات الأخيرة تمثل “كسرًا لحاجز الصمت الغربي”، وتفتح نافذة واقعية لإحياء حل الدولتين بعد سنوات من الجمود. فيما يعتبر آخرون أنها ستظل خطوات رمزية إذا لم تُترجم إلى ضغط فعلي لوقف الاستيطان وإنهاء الحرب في غزة.

في المقابل، حذّر مراقبون من أن إسرائيل قد تتجه لتصعيد دبلوماسي وأمني كرد فعل على ما تعتبره “عزلة متنامية” في المحافل الدولية.

نحو مرحلة جديدة

تُعد موجة الاعترافات الجديدة بدولة فلسطين لحظة فارقة في مسار القضية، تعكس تحولًا حقيقيًا في الموقف الدولي، وتوجّه رسالة واضحة مفادها أن استمرار الاحتلال أصبح غير مقبول دوليًا. لكن التحدي الأكبر يبقى في تحويل هذا الزخم السياسي إلى واقع ملموس يضمن للفلسطينيين حقوقهم المشروعة، ويعيد إحياء المسار التفاوضي على أسس العدالة والشرعية الدولية.

زر الذهاب إلى الأعلى