منطق الانفتاح الجديد” لدى الصين: من الاندماج في العالم إلى قيادة الازدهار المشترك

يشهد العالم اليوم تحولات غير مسبوقة منذ قرن، حيث تواجه العولمة الاقتصادية تحديات معقدة، فيما يتصاعد النزوع نحو الأحادية والحمائية التجارية، ما يزيد من حالة عدم اليقين في البيئة التجارية الدولية. وفي هذا السياق، تتعرض حقوق التنمية في الدول النامية والأسواق الناشئة لاختبارات حقيقية. وقد شهدت إستراتيجية الصين للانفتاح تطورا تاريخيا؛ فعلى أساس المشاركة الإيجابية في النظام الدولي، تعمل الصين على بناء نظام اقتصادي عالمي جديد أكثر انفتاحًا وشمولا وتوازنا ومنافع متبادلة، يسهم في تعزيز التعاون والفوز المشترك.
لقد تجاوز منطق الانفتاح الصيني مجرد التواصل التجاري البسيط، وارتقى إلى رؤية استراتيجية أعمق تتعلق باتجاه التنمية العالمية وإصلاح منظومة الحوكمة الدولية. ويرتكز هذا المنطق على التمسك بالتعددية الحقيقية ورفض “فك الارتباط” و”قطع سلاسل الإمداد” ورفض لعبة المحصلة الصفرية. وهو يركز على التوازن في التنمية والطابع التشاركي للمنفعة، ويهدف إلى الإسهام في تطوير نظام عالمي أكثر عدلا وإنصافا. وباعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر دولة نامية، تدرك الصين بعمق المطالب المشروعة للدول النامية بحقها في التنمية. ولهذا تتمسك الصين بثبات بالنظام التجاري المتعدد الأطراف الذي تقوده منظمة التجارة العالمية، وتُعدّ من أهم الداعمين للانفتاح والتعاون على الصعيد العالمي. ويقوم موقف الصين على مبدأ واضح: القضايا العالمية يجب أن تبحثها جميع الدول معًا، وثمار التنمية يجب أن يتقاسمها الجميع. وهذا الموقف يضيف عاملًا مهمًا من عوامل الاستقرار للنظام التجاري متعدد الأطراف.
تجسد الصين التزامها بالانفتاح والشمول عبر إجراءات عملية ونتائج ملموسة. فعلى الرغم من ضعف الطلب العالمي وتباطؤ نمو التجارة الدولية، أظهر قطاع التجارة الخارجية الصيني مرونة قوية. ووفقا لبيانات الجمارك الصينية، بلغ إجمالي تجارة البضائع في الصين عام 2023 نحو 41.76 تريليون يوان (حوالي 6.1 تريليون دولار أمريكي)، مما عزز دور الصين كإحدى أهم القوى العالمية في تجارة البضائع. ولم يعكس ذلك حيوية الاقتصاد الصيني فحسب، بل أسهم أيضا في استقرار سلاسل الصناعة والإمداد العالمية. وتواصل الصين الدفع بالتكامل الاقتصادي الإقليمي، إذ تعمل مع دول آسيان وغيرها على التنفيذ عالي الجودة لاتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP)، بما يعزز تحرير وتيسير التجارة والاستثمار في المنطقة.
ويعد التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والدول العربية نموذجا حيّا للتعاون القائم على المنفعة المتبادلة والفوز المشترك. فقد شهدت العلاقات التجارية بين الجانبين نموا مستمرا خلال العقدين الماضيين، وبلغ حجم التجارة السلعية الثنائية عام 2023 نحو 2.8 تريليون يوان (نحو 398 مليار دولار أمريكي). ويمثل هذا التعاون مثالا ناجحا للتعاون بين بلدان الجنوب. ويواصل الطرفان تعزيز التعاون في إطار متعدد الأطراف، ودفع بناء منطقة التجارة الحرة بين الصين والدول العربية نحو تحقيق تقدمات جديدة. ولا يساعد ذلك في خفض تكاليف التجارة فحسب، بل يعكس أيضًا تمسك الطرفين بمبدأ الانفتاح وعدم التمييز في القواعد التجارية، ويوفر نماذج عملية للدول النامية للمشاركة في الحوكمة الاقتصادية العالمية.
يحكم الصين في مسارها التنموي مبدأ ثابت مفاده أن “التنمية الحقيقية هي التنمية التي تشمل الجميع”. وهي تدعو إلى عولمة أكثر شمولا وإنصافا، بحيث تعود منافعها على كل الدول وكل الشعوب. وكما أكد الرئيس الصيني في مناسبات عديدة، “يجب علينا التمسك بالتعددية الحقيقية، وبنهج الحوكمة العالمية القائم على التشاور والبناء والمنافع المشتركة”. وهذا يشكل الأساس الفكري لمسار التنمية في الصين، ويوجه أيضًا الجهود الدولية الرامية إلى تحسين نظام الحوكمة العالمي.
وتبرهن التجربة الصينية أن الانفتاح يجلب التقدم، والتعاون يصنع المستقبل. وستواصل الصين، عبر مسار تنميتها الجديد، توفير فرص جديدة للعالم، وذلك من خلال الإصرار على تعزيز الانفتاح رفيع المستوى، وتعميق التعاون العملي مع مختلف الدول، وتعزيز التواصل السياسي والتنسيق بين إستراتيجيات التنمية، واستكشاف نماذج تعاون جديدة تتماشى مع متطلبات العصر وتخدم مصالح جميع الأطراف. وتؤمن الصين بأن الانفتاح والترابط والمنفعة المتبادلة هي الطريق الفعّال لمواجهة التحديات العالمية، ودفع الاقتصاد العالمي نحو مسار أكثر صحة واستقرارا واستدامة. وأن الصين المنفتحة، الساعية إلى التنمية المشتركة، ستواصل تقديم إسهامات جديدة وأكبر في سبيل السلام والاستقرار والازدهار العالمي، وستعمل مع دول العالم على بناء مستقبل مشترك يعمّه الازدهار للجميع.




